رياضة

الحارس الثالث: اليد البطالة ليست بالضررة نجسة

الكل يحلم أن يكون ميسي أو رونالدو، لكن من النادر جدًا أن تجد من يحلم أن يكون كاسياس أو بوفون. فما بالك بحارسٍ ثالث؟ مجرد بديلٍ للبديل؟

future صورة تعبيرية (الحارس الثالث: اليد البطالة ليست بالضررة نجسة)

«أيها السادة، إنه لأمر مؤسف حقاً أن تكون بلا قيمة».

— 12 رجلاً غاضباً

إن سألت مجموعة عشوائية من محبي الكرة كم حارساً أساسياً يعرفون؛ فبإمكانهم ذكر عدد لا بأس به من كبار الحراس بكل سهولة. وإن سألتهم عن الحراس الاحتياطيين؛ فيمكن بعد بحث وتفكير أن يعطوك بعض الأسماء. أما إن سألت عن الحارس الثالث، فربما لن يذكر أحد سوى حارس مرمى فريقه، إن كان يعرفه بالأساس.

ربما تلك هي طبيعة حراسة المرمى، غير المقدَّرة نسبياً مقارنة بباقي مراكز اللعبة. فالكل يحلم أن يكون ميسي أو رونالدو، لكن من النادر جداً أن تجد من يحلم أن يكون كاسياس أو بوفون. وهما من الحراس الكبار ولهما لحظاتهما الخاصة التي لامسا فيها قمة المجد، فما بالك بحارس ثالث؟ مجرد بديل للبديل؟

الحياة على الهامش

«تصيبك خيبة الأمل حين يخسر الفريق، وتفرح عندما يكسب، ولكنك لستَ الفاعل على الحقيقة، وإنما كيان أنت جزء منه».

— روبرت جرين، الحارس الثالث لنادي تشيلسي الإنجليزي 2019

يمكن تصنيف الحارس الثالث على النحو التالي: حارس شاب، يخطو أولى خطواته الاحترافية مع ناديه المحلي، وهو سعيد بتلك البداية على كل حال. أو حارس محترف في قمة سنوات عطائه، ولكن تخبطت به كثرة الإصابات وهبط مستواه بشكل حاد، أو ارتكب خطأً فادحاً أودى بمسيرته تماماً مثل لوريس كاريوس الذي تحول من حراسة مرمى ليفربول في نهائي الأبطال إلى حارس ثالث في نيوكاسل، ثم أصبح بلا نادٍ تقريباً، وهناك الحراس الكبار الذين تقدمت بهم السن وخلوا سنوات القمة وراءهم، وقد صارت تلجأ إليهم الأندية بشكل أكبر.

ذلك النوع الأخير من الحراس قد لعبوا في مسيرتهم الطويلة في المستويين العالي والمتوسط، وبإمكانهم تمرير حكمة وخبرة للحراس الصغار، بالإضافة لوجودهم المطلوب في التدريبات كجزء منها، مثل جرين.

يتوج معظم هؤلاء الحراس بالألقاب مع أنديتهم، وتطوق أعناقهم الميداليات، وتسجل تلك الألقاب في سجلاتهم حين يتقاعدون. ولكن، كم شباكاً نظيفة حققوا مع تلك الأندية؟ كم ركلة ترجيحية منعوا؟ كم لحظة مميزة سيتذكرها لهم الناس بعد اعتزالهم؟ كم مباراة لعبوا بالأساس؟

كان سكوت كارسون، الحارس الثالث الحالي لمانشيستر سيتي، الحارس الثالث لمرمى ليفربول حين حققوا لقب دوري أبطال أوروبا في إسطنبول 2005، لكنه في قرارة نفسه يشعر أن حيازته تلك الميدالية ليس مدعاة للفخر؛ لأنه بكل بساطة لم يكن مؤثراً فيها ولم يكن سبباً في الفوز.

في حوار مع شبكة ESPN، يرى كارسون أنك إن لم تشارك في المباراة النهائية أو على الأقل في عدد من المباريات في مسار البطولة، فأنت لم تساهم بأي شيء، ويصعب تصديق العكس أو إقناع نفسك به حتى وإن حاول الآخرون إقناعك به. بل يزعم كارسون أن تلك الميدالية الزائفة غير المستحقة لا تعدل عنده البدء أساسياً في مباراة مهمة تحت قيادة بيب جوارديولا.

أنا آسف ولكن إصابتك تسعدني

«… بالطبع كنت محظوظاً لتواجدي في نهائي الكأس مرتين، ولكن عندما تفكر في الأمر تسيطر عليك فكرة واحدة: أتمنى لو كنت أنا الذي ألعب».

— كارلو ناش، الحارس الاحتياطي لإيفرتون وستوك في نهائيي كأس الاتحاد الإنجليزي 2009، 2011

يستطيع المهاجم أو لاعب الوسط مثلاً أن يجد طريقاً إلى التشكيلة الأساسية، أو على الأقل الحصول على دقائق لعب بشكل منتظم، لحاجة تلك المراكز بطبيعتها، لأكثر من لاعب على أرضية الملعب، لكن حدوث المثل مع الحارس الثالث - وأحياناً الحارس الثاني - يصبح بمثابة مهمة مستحيلة، وقد تجد بعض الحراس يمضون مواسم كاملة دون أن يلعبوا دقيقة واحدة، إلا إذا حدثت معجزة.

والأسباب واضحة جلية، فلا يمكن أن يتواجد أكثر من حارس مرمى في الملعب، بالإضافة إلى أن التنافسية العالية تتطلب تواجد الحارس الأعلى فنياً في المرمى طول الوقت. والمعجزة التي يصلي من أجلها هذا الحارس البديل إما أن تُكسر ساق الحارس الأساسي، أو أن يفقد مستواه في يوم عاصف، أو أن تشب مشاجرة كبيرة بينه وبين المدرب، أو أن تحدث له كل الأشياء السيئة في العالم.

وهَب أن تلك الأمنية الشريرة حدثت بالفعل، وأتت اللحظة التي طالما تمنوها، وتوقفوا عن تدفئة مقاعد البدلاء ونفضوا الغبار عن قفازاتهم، فإن ذلك يضع عبئاً نفسياً ضخماً على عواتقهم ويرفع معدلات القلق لديهم.

في إحدى الدراسات، التي أعدها جونسون فيل، المتخصص في علم النفس الرياضي الإكلينكي، يرى أن هناك حالة نفسية كاملة تصيب اللاعبين الاحتياطيين، وحراس المرمى بشكل خاص: «فعندما تجد اسمك في قائمة المباراة، ترتفع حالتك المعنوية، ولا يهم إن كنت الاختيار الأفضل لهذا المركز أو أنك موجود فقط لأن الآخرين مصابون أو موقفون. لكن التحول من عدم القيام بأي فعل تنافسي على الإطلاق إلى الاضطرار للقيام به فجأة، يشكل تحدياً نفسياً حقيقياً على حراس المرمى».

عصا حكيم أم كيس رمل

«بالنسبة إلى هؤلاء الشبان، كحارس ثالث، أنت أقرب إلى طبيب نفسي من حارس مرمى».

— كيفن ديردين، مدرب حراس لوتون تاون

في نافذة الانتقالات الصيفية عام 2018 أنفقت أندية البريميرليج ما يقرب من 209 ملايين جنيه إسترليني على حراس المرمى فقط، صحيح أن من بينهما صفقتين هما الأغلى في تاريخ حراس المرمى عبر التاريخ، وهما كيبا إلى تشيلسي، وأليسون إلى ليفربول، لكن هناك صفقتين لحارسي مرمى لم يحفل أحد بهما، ولم تتكلفا مجتمعتين سوى مليون ونصف المليون جنيه إسترليني. ومن يحفل بانتقال حارسين ثالثين، أحدهما روبرت جرين في الـ 38 إلى تشيلسي، والآخر لي جرانت في الـ 35 إلى مانشستر يونايتد؟ في الحقيقة لا أحد، لأنهما لم يؤتَ بهما من أجل الحراسة!

يبرز الاحتياج السيكولوجي كإجابة منطقية ومقنعة لحد كبير، فلقد حظي هؤلاء الحراس بمسيرة احترافية طويلة، وتمرير خبراتهم ونصائحهم للحراس الأصغر سناً أمر مطلوب، وعلى الجانب الآخر يصبح اللعب لأندية بهذا الحجم، بالنسبة لهؤلاء الحراس، حتى لو في أواخر حياتهم المهنية؛ تجربة فريدة في كل أبعادها، وخصوصاً على الجانب النفسي. يلخص جرين الأمر في حواره مع شبكة BBC قائلاً: «لأول مرة في حياتي لا أنظر إلى 40 نقطة وأظن أنني حققت شيئاً رائعاً»، أضف إلى ذلك الراتب الأسبوعي الجيد نسبياً الذي كان يتقاضاه جرين وجرانت.

لكن الأمر يبدو محبطاً بعض الشيء بالنسبة للحراس الصغار، في أول مسيرتهم الاحترافية؛ إذ يتحول بعضهم مع الوقت إلى مجرد كيس رمل، يسدد اللاعبون تجاهه بكل قوة في حصص التدريب، حتى يبهروا مدربهم. يتمرنون بجد ويحافظون على برامج الغذاء والنوم ويسافرون مع الفريق في مبارياته الخارجية، لكنهم لا يشاركون في صنع الحدث، بل إنهم في معظم الأحيان يشاهدون المباريات من مقاعد الجمهور.

بعض أولئك الحراس على قدر من النضج والتفهم أن تلك المرحلة انتقالية مهما طالت، وسرعان ما سيجد فريقاً يكون فيه الحارس الأول حتى لو على مستوى أقل؛ فيحرص على حصد الخبرات والاستفادة من التدريب على هذا المستوى العالي، وبعضهم – الأقل طموحاً وكياسة والأعثر حظاً - يبقى أسير تلك اللحظة للأبد، مجرد كيس رمل.

# رياضة # كرة قدم # كرة القدم العالمية

ركلة الجزاء: لأن الطريق للجحيم مفروش بالنوايا الحسنة
ماركو فان باستن: حين ترغمك كرة القدم على المعاناة
منتخب سويسري ملون: هكذا غسلت زيورخ يدها المتورطة في الاستعمار

رياضة